المغرب: ذكرى المسيرة الخضراء 2025
في عام 2025، يحيي المغرب الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء بفعاليات وطنية وعروض تحتفل بالوحدة الوطنية وروح الانتماء في المملكة المغربية.
ذكرى المسيرة الخضراء: بين التاريخ والتنمية في الأقاليم الجنوبية
تعتبر المسيرة الخضراء من أبرز الأحداث التاريخية التي شكلت محطة مفصلية في تاريخ المغرب الحديث، فقد ساهمت في تحقيق الوحدة الترابية وإرساء أسس التنمية المستدامة في الأقاليم الجنوبية للمملكة. وقد شهدت هذه الذكرى على مر السنين ارتباطًا وثيقًا بمسارات النمو والتقدم التي عرفتها هذه المنطقة بعد استرجاعها.
ولادة الفكرة ودعوة الملك الحسن الثاني
في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، كانت الصحراء المغربية تحت سيطرة الاستعمار الإسباني. وفي خضم البحث عن وسيلة سلمية لاسترجاع هذه الأراضي، انبثقت لدى الملك الحسن الثاني فكرة غير تقليدية تمثلت في تنظيم مسيرة سلمية شعبية ضخمة لتأكيد السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية. كانت الفكرة ثورية في نهجها، إذ اعتمدت على الحشد الشعبي لا على القوة العسكرية.
في 16 أكتوبر 1975، أعلن الحسن الثاني عن الدعوة لتنظيم مسيرة سلمية، عرفت لاحقًا باسم “المسيرة الخضراء”، حيث دعا الشعب المغربي من مختلف مناطق البلاد إلى المشاركة. وتحقق بالفعل تجاوب واسع من المواطنين، الذين شاركوا بنحو 350 ألف متطوع في هذه المسيرة التي انطلقت يوم 6 نونبر 1975، حاملين المصاحف والأعلام الوطنية كرمز للسلمية والوحدة.
الدعم الدولي والمشاركة
بالإضافة إلى التعبئة الشعبية الكبيرة داخل المغرب، حظيت المسيرة الخضراء بتأييد واسع من قبل عدة دول عربية وإفريقية. وقد عبرت هذه الدول عن دعمها للمغرب في سعيه إلى استرجاع أراضيه بشكل سلمي دون اللجوء إلى العنف أو التصعيد العسكري. وجاء هذا الموقف كاعتراف بشرعية المغرب في المطالبة بأراضيه، وانسجامًا مع قيم التضامن العربي والدولي في مواجهة الاستعمار.
إلى جانب ذلك، ساهمت المسيرة الخضراء في تعزيز موقف المغرب دوليًا، مما أدى إلى بدء مفاوضات مع إسبانيا أسفرت في نهاية المطاف عن انسحابها من الصحراء.
التحولات التنموية في الأقاليم الجنوبية
منذ استرجاع الصحراء، وضع المغرب نصب عينيه تحقيق التنمية الشاملة في هذه الأقاليم. كانت المناطق الجنوبية تعاني من غياب البنية التحتية والخدمات الأساسية قبل المسيرة، إلا أن السنوات التي تلت ذلك شهدت استثمارات ضخمة وجهودًا جبارة لتحويل هذه الأقاليم إلى ركيزة اقتصادية هامة للمملكة.
مشروع الطريق السريع أكادير-الداخلة
أحد الإنجازات الرئيسية التي شهدتها المنطقة هو مشروع الطريق السريع الذي يربط بين أكادير والداخلة. هذا المشروع الذي يمتد لمسافة تفوق 1000 كيلومتر، يمثل شريانًا حيويًا للنقل والتجارة، حيث يسهل انتقال البضائع والمسافرين ويعزز الربط بين شمال المغرب وجنوبه. كما يلعب دورًا هامًا في تحسين الوصول إلى الأسواق الإفريقية ويعد عنصرًا أساسيًا في الربط البري بين أوروبا وإفريقيا.
ميناء الداخلة الأطلسي
تعتبر مدينة الداخلة اليوم نقطة محورية في المشاريع التنموية الكبرى التي يشرف عليها المغرب. ومن أبرز هذه المشاريع ميناء الداخلة الأطلسي، الذي يهدف إلى تعزيز القدرات اللوجستية للمغرب. سيعزز هذا الميناء من موقع الداخلة كجسر تجاري بين المغرب وبقية إفريقيا، كما سيكون له دور استراتيجي في دعم التجارة البحرية وتسهيل تصدير واستيراد السلع عبر المحيط الأطلسي.
محطات تحلية المياه
مع التحديات البيئية والجفاف الذي يواجهه العالم، انخرط المغرب في مشاريع مبتكرة لمواجهة ندرة الموارد المائية في الأقاليم الجنوبية. من بين هذه المشاريع، تأتي محطات تحلية المياه التي تلعب دورًا حيويًا في تزويد المنطقة بالمياه الصالحة للشرب وري الأراضي الزراعية. تساهم هذه المشاريع في تعزيز الأمن المائي وضمان استدامة النشاطات الاقتصادية في المناطق الجنوبية.
مستقبل التنمية في الأقاليم الجنوبية
اليوم، تعكس الأقاليم الجنوبية صورة مختلفة تمامًا عما كانت عليه في الماضي. بفضل المشاريع الكبرى التي تم إنجازها، أصبحت هذه المناطق نموذجًا للتنمية المستدامة في المغرب. وبالإضافة إلى البنية التحتية الأساسية، تم التركيز على الاستثمار في قطاعات مثل الطاقة المتجددة، السياحة، والصيد البحري، مما جعل الأقاليم الجنوبية مركزًا اقتصاديًا واعدًا.
لا شك أن ذكرى المسيرة الخضراء تمثل أكثر من مجرد حدث تاريخي، فهي رمز للوحدة والتضامن الوطني، وأيضًا علامة فارقة في مسيرة التنمية الشاملة التي يعرفها المغرب اليوم.